الحديث الموضوع
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
في البدء أود أو أورد تقدمة مختصرة عن الآتي:
1/ تعريف علم مصطلح الحديث، وفائدته. 2/ تعريف السنة أو الحديث. 3 تعريف الخبر. 4/ تعريف الأثر.
وفي مرات لاحقة سوف أوضح أقسام الحديث وفروعه بإذن الله تعالى، وما سأورده هنا ليس هو بالإسهاب المُمِل ولا المُختصر المُخِل إن شاء الله تعالى، ونسأل اللَّه العصمة من الزلل، والتوفيق لصالح القول والعمل، فإن أصبت فمن الرحمن، وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان، وأنبه الأخوة في أن من يجد خللاً أو خطأً فلا يتردد في إخطاري فكل بنى آدم خطاء وخير الخطائين التوابون، فأما التعقيب وزيادة في المادة العلمية فليس على شرطي وإنما أردت الاختصار حتى لا يمل القارئ، ولكم خالص شكري وتقديري.
أولاً: تعريف مصطلح الحديث: هو علم يُعرف به حال الراوي والمروي من حيث القَبول والرد.
وتكمن فائدته في معرفة ما يُقبل ويُرد من الرّاوي والمروي.
ويُقصد بالراوي؛ هو أحد رجال السند الموصلون إلى متن الحديث، والمروي هو متن الحديث أي ألفاظ الحديث.
ثانياً: تعريف السنة؛ فهي ما أضيف إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم من قولٍ أو فعلٍ أو تقريرٍ، أو صِفَة وهي ترادف لفظ الحديث.
(والصفة قد تكون خَلْقِيَّة أو خُلُقِيَّة)
ثالثاً: الخبر: ويأتي الخبر بمعنى الحديث؛ فَيُعَرَّف بما سبق في تعريف الحديث أو السنة.
وقيل: الخبر ما أضيف إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم وإلى غيره؛ فيكون أعم من الحديث وأشمل.
رابعاً الأثر: وهو ما أضيف إلى الصحابي أو التابعي- أي ليس منسوباً للنبي صلى الله عليه وسلم، كما يُقال: وفي الأثر عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: ...))، وهكذا لبقية الصحابة رضوان الله عليهم والتابعين.
وقد يُراد به ما أضيف إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم إلاّ أنه يكون مُقيداً فيقال: وفي الأثر عن النبي صلّى الله عليه وسلّم.
هذا باختصار ما جاء في تعريف هذه المصطلحات، وأما ما يتعلق بالحديث الموضوع - عنوان درسنا -، فيعتبر شر أنواع الحديث الضعيف، وقد جعله العلماء آخر درجات الحديث الضعيف، وقد خصصت ذكره هنا قبل الكلام عن الحديث الصحيح و الحدبث الحسن حتى يكون لدى القارئ فكرة عن الأحاديث الموضوعة المنتشرة والتي لا تصح عن النبي صلى الله عليه وسلم والتي أوردت منها سلسلةً في ملتقى أبناء المدينة عرب. وستتواصل السلسلة بإذن الله تعالى، ويمكن التحدث عن الحديث الموضوع من خلال المحاور التالية: 1/تعريفه 2/كيف يُعرف الحديث الموضوع 3/ما هي الأسباب الداعية لوضعه. 4/حكمه. 5/أشهر المصنفات فيه.
أولاً: تعريف الحديث الموضوع:
لغة: اسم مفعول من وضع الشيء يَضَعَه -بالفتح- وَضْعَاً، وتأتي مادة (وضع) في اللغة لعدة معانٍ منها: الإسقاط، الترك، الافتراء والإلصاق.
أما في اصطلاح المحدثين: فقد عرفه ابن الصلاح (ت643هـ) في "مقدمته" (ص 98) بقوله: هو المختلق المصنوع. وعرفه غيره بأنه هو: ما نسب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم اختلاقا وكذباً مما لم يقله أو يفعله أو يقرّه.
[ينظر في ذلك لسان العرب (8/396)، وما بعدها، ومختار الصحاح (ص 341) مادة: وضع].
ثانياً: كيف يُعرف الحديث الموضوع؟
يعرف الحديث الموضوع من دون النظر في إسناده بأمور؛ منها:
أ- إقرار الواضع بالوضع: كإقرار أبي عصمة نوح بن أبي مريم بأنه وضع حديث فضائل سور القرآن سورة سورة، عن ابن عباس.
ب- أو ما يتنزل منزلة إقراره: كأن يحدث عن شيخ، فيسأل عن مولده هو، فيذكر تاريخا تكون وفاة ذلك الشيخ قبل مولده هو، ولا يعرف ذلك الحديث إلا عنده.
ج- أو قرينة في الراوي: مثل أن يكون الراوي رافضيا، والحديث في فضائل أهل البيت.
د- أو قرينة في المروي: مثل كون الحديث ركيك اللفظ، أو مخالفا للحس، أو مخالفا لصريح القرآن.
ثالثاً: الأسباب الداعية لوضعه.
لوضع الحديث دواعٍ كثيرة تدعو الوضاع لوضعه، فمن أبرزها ما يلي:
1- التقرب على الله تعالى: وذلك بوضع أحاديث ترغب الناس في الخيرات، وأحاديث تخوفهم من فعل المنكرات، وهؤلاء الوضاعون قوم ينتسبون إلى الزهد والصلاح، وهم شر الوضاعين؛ لأن الناس قبلت موضوعاتهم ثقة بهم.
ومن هؤلاء: ميسرة بن عبد ربه، فقد روى ابن حبان في الضعفاء عن ابن مهدي قال: "قلت لميسرة بن عبد ربه: من أين جئت بهذه الأحاديث: من قرأ كذا فله كذا؟ قال: وضعتها أرغب الناس"1.
2- الانتصار للمذهب: لا سيما مذاهب الفرق السياسية، وذلك بعد ظهور الفتنة، وظهور الفرق السياسية، كالخوارج، والشيعة، فقد وضعت كل فرقة من الأحاديث ما يؤيد مذهبها، كحديث: "علي خير البشر، من شك فيه كفر".
3- الطعن في الإسلام: وهؤلاء الوضاعون قوم من الزنادقة لم يستطيعوا أن يكيدوا للإسلام جهارا، فعمدوا إلى هذا الطريق الخبيث، فوضعوا جملة من الأحاديث بقصد تشويه الإسلام والطعن فيه، ومن هؤلاء: محمد بن سعيد الشامي، المصلوب في الزندقة، فقد روى عن حميد، عن أنس، مرفوعا: "أنا خاتم النبيين لا نبي بعدي، إلا أن يشاء الله"1، ولقد بين جهابذة الحديث أمر هذه الأحاديث، ولله الحمد والمنة.
4- التزلف إلى الحكام: أي تقرب بعض ضعفاء الإيمان إلى بعض الحكام بوضع أحاديث تناسب ما عليه الحكام من الانحراف، مثل قصة غياث بن إبراهيم النخعي الكوفي مع أمير المؤمنين المهدي، حين دخل عليه وهو يلعب بالحمام، فساق بسنده على التوِّ إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا سبق إلا في نصلٍ، أو خفٍّ، أو حافرٍ، أو جناح" فزاد كلمة "أو جناح" لأجل المهدي، فعرف المهدي ذلك، فأمر بذبح الحمام، وقال: أنا حملته على ذلك. وطرد هذا الوضاع المتزلف، وعامله بعكس قصده.
5- التكسب وطلب الرزق: كبعض القصاص الذين يتكسبون بالتحدث إلى الناس، فيوردون بعض القصص المسلية والعجيبة، حتى يستمع إليهم الناس ويعطوهم، كأبي سعيد المدائني.
6- قصد الشهرة: وذلك بإيراد الأحاديث الغريبة التي لا توجد عند أحد من شيوخ الحديث، فيقلبون سند الحديث ليستغرب، فيرغب في سماعه منهم، كابن أبي دحية وحماد النصيبي.
[ولمزيد من التفصيل انظر تيسير مصطلح الحديث للدكتور محمود الطحان ص 111- 116].
رابعاً: حكمه.
قال ابن الصلاح المتوفى (557 - 643هـ ، 1161-1245م): "وَلَا تَحِلُّ رِوَايَتُهُ لِأَحَدٍ عَلِمَ حَالَهُ فِي أَيِّ مَعْنًى كَانَ إِلَّا مَقْرُونًا بِبَيَانِ وَضْعِهِ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنَ الْأَحَادِيثِ الضَّعِيفَةِ الَّتِي يُحْتَمَلُ صِدْقُهَا فِي الْبَاطِنِ، حَيْثُ جَازَ رِوَايَتُهَا فِي التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ. اهـ. انظر "مقدمة ابن الصلاح في علوم الحديث" (ص 98- 99).
وقال النووي المتوفى (631 - 676هـ، 1234- 1278م) في "مقدمة شرح مسلم" (ص 70):لافرق فِي تَحْرِيمِ الْكَذِبِ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ مَا كَانَ فِي الْأَحْكَامِ وَمَا لَا حُكْمَ فِيهِ كَالتَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ وَالْمَوَاعِظِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَكُلُّهُ حَرَامٌ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ وَأَقْبَحِ الْقَبَائِحِ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ يُعْتَدُّ بِهِمْ فِي الْإِجْمَاعِ خِلَافًا لِلْكَرَّامِيَّةِ الطَّائِفَةِ الْمُبْتَدِعَةِ فِي زَعْمِهِمُ الْبَاطِلِ أَنَّهُ يَجُوزُ وَضْعُ الْحَدِيثِ فِي التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ وَتَابَعَهُمْ عَلَى هَذَا كَثِيرُونَ مِنَ الْجَهَلَةِ الَّذِينَ يَنْسُبُونَ أَنْفُسَهُمْ إِلَى الزُّهْدِ أَوْ يَنْسُبهُمْ جَهَلَةٌ مِثْلُهمْ وَشُبْهَةُ زَعْمِهِمُ الْبَاطِلِ أَنَّهُ جَاءَ فِي رِوَايَةٍ مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا لِيُضِلَّ بِهِ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ هَذَا كَذِبٌ لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَا كَذِبٌ عَلَيْهِ.
خامساً: أشهر المصنفات في الحديث الموضوع.
أ- كتاب الموضوعات: لابن الجوزي، المتوفى (508هـ - 597، 1116 - 1201م)، وهو من أقدم ما صنف في هذا الفن، لكنه متساهل في الحكم على الحديث بالوضع، لذا انتقده العلماء وتعقبوه.
ب- اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة: للسيوطي، المتوفى (849 - 911 هـ، 1445 - 1505م)، وهو اختصار لكتاب ابن الجوزي، وتعقيب عليه، وزيادات لم يذكرها ابن الجوزي.
ج- تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأحاديث الشنيعة الموضوعة: لابن عراق الكناني، المتوفى (907 - 963 هـ = 1502 - 1556 م)، وهو تلخيص لسابقيه، وهو كتاب حافل.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم