كثيراً ما نسمع هذه العبارات:
فلانة طفلها بكّاي....
فلانة طفلتها أعوذ بالله من بكائها....
فلانة دي ولدها مجننا جن بالبكاء حامينا النوم....
وإلى غير هذه العبارات مما نسمعه من حال تضجر بعض الأمهات من بكاء أطفالهن، وهن قد يجهلن ما هو سر هذا البكاء والحكمة منه، وتأثيره على عقل طفلها أو طفلتها.
تجد إحداهن تضرب ابنها لأجل أن يكف عن البكاء لكن هذا الضرب قد يزيد من بكائه وبالتالي يكون في مصلحته، وقد يبكي دون سبب، وكما يذكر البعض لذلك الأسباب كأن يقوقل: سبب بكاء هذا الطفل إما أن يكون جائعاً أو يريد أن يرضع من ثدي أمه، أو يريد أن ينام، أو يكون عنده (مغص)، وقد نخلق لذلك الأسباب ونجهل حكمة الله من بكائه.
وقد وجدت كلاماً طيباً لابن القيم -رحمه الله-، في كتابه "مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة" الجزء الأول صحيفة رقم (273)، حيث عقد فصلاً في ذلك، فقال:
فصلٌ: ثمَّ تَأمل حِكْمَة الله تَعَالَى فِي كَثْرَة بكاء الاطفال وَمَا لَهُم فِيهِ من الْمَنْفَعَة فَإِن الأطباء والطبائعيين شهدُوا مَنْفَعَة ذَلِك وحكمته وَقَالُوا فِي أدمغة الأطفال رُطُوبَة لَو بقيت فِي أدمغتهم لأحدثت أحداثاً عَظِيمَة فالبكاء يسيل ذَلِك ويحدره من أدمغتهم فتقوى أدمغتهم وَتَصِح، وأيضاً؛ فَإِن الْبكاء والعياط يُوسع عَلَيْهِ مجاري النَّفس وَيفتح الْعُرُوق ويصابها ويقوى الأعصاب، وَكم للطفل من مَنْفَعَة ومصلحة فِيمَا تسمعه من بكائه وصراخه فَإِذا كَانَت هَذِه الْحِكْمَة فِي الْبكاء الَّذِي سَببه وُرُود الألم المؤذي وَأَنت لَا تعرفها وَلَا تكَاد تخطر ببالك فَهَكَذَا إيلام الأطفال فِيهِ وَفِي أسبابه وعواقبه الحميدة من الحكم مَا قد خَفِي على أكثر النَّاس واضطرب عَلَيْهِم الْكَلَام فِي حكمه اضْطِرَاب الأرشية وسلكوا فِي هَذَا الْبَاب مسالك ...)) إلى آخر كلامه رحمه الله.
فانظر أيها الأب الكريم وأيتها الأم الكريمة لما فيه من الفوائد لطفلك من هذا البكاء، وكلام ابن القيم هذا يذكرنا بمقولات بعض أهلنا العوام الذين ليس لهم صلة بعلم ولا تقنية ولا طب حديث تجد أحدهم يقول لك: خليه يبكي بجي مفتّح البكاء بفتح بالطفل هكذا قولهم بالفطرة السليمة، فجاء موافقاً لما كتبه ابن القيم رحمه الله.
وتجد إحداهن ملهوفة على طفلها إذا سمعته يبكي بكاءً شديداً، فتفزع إليه وكأنّ طفلها أصابه مكروه أو رمى نفسه على أريكة وغرف في دمه، فلا يتضجر والد -أو والدة- من بكاء الطفل ولا يتسرع في ردعه عن البكاء، لأن ذلك كله له خير، وأحياناً قد يكون ردع الطفل عن البكاء بتلبية رغباته لإسكاته لأنه هو سلاحه الوحيد للدفاع عن نفسه لأنه في هذه السن لا يتكلم فخير وسيلة له البكاء، فتجد بعض الآباء يسكته بلعبة حوله أو إعطائه قطعة حلوى ليرضى ويسكت، فأقول للأمهات لطالما أن طفلك لا يشعر بجوع أو نعاس أو ألم في جسده -وأنتِ تميزين بكاءه لمرض أو غيره-، فلِمَ القلق إذاً على بكائه؟ دعيه يبكي وستجدينه سرعان ما رجع لحالته الأولى من اللعب والضحك، وحتى ينطبق عليه ما أشار إليه الشيخ والعالم الجليل ابن القيم رحمه الله، فجزاهم الله عنا وعن الأمة والإسلامية خير الجزاء لما قدموه بإسهاماتهم في شتى المجالات، نفعنا الله وإياكم بعلمهم.