تلعب القدوة دورًا هامًّا في بناء الإنسان، وتؤثر على تحديد وجهته الدينية والنفسية خاصة في المراحل الأولى؛ لأن من طبيعة الإنسان التفاعل مع محيطه والتشبه بمن يكن لهم احترامًا.
وهنا أشار القرآن الكريم بقوله: ﴿ وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ ﴾ [سورة الزخرف: آية 23].
وحين تفتقد القدوة الحسنة فما أيسر أن تحل القدوة السيئة مكانها، ومن أجل ذلك أمر الله تعالى بأن نجتهد في اختيار القدوة، فقال ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ﴾ [سورة الممتحنة: آية 6] وقال: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِه ﴾ [سورة الأنعام: آية 90].
يعني إبراهيم ومن بعده من الأنبياء عليهم السلام. والعلماء هم الامتداد المنشود للأنبياء، والوارثون لعلمهم وأخلاقهم، والمؤتمنون على تبليغ الرسالات. وإذا ما غابوا عن أداء هذا الدور الطليعي، انشغالًا بأنفسهم أو مصالحهم الخاصة وتجاذب المغانم، أو استولى عليهم الخوف والتخاذل، فقد خانوا الله ورسوله وخانوا الأمانة، وشاركوا في هدم الدين وتقويض المجتمع الإسلامي بأسره، وهذه من أعظم الجنايات وأفدح الخطوب.
القدوة السّيّئة هي: الاقتداء بأهل الباطل ومتابعتهم والتّأسّي بهم في فعل السّيّئات وترك الحسنات.
حكم القدوة السيئة:
إنّ من يقتدي بشخص ويتّخذه إمامًا له فلا شكّ أنّه يحبّه ويتمنّى أن يصير مثله، ويؤدّي الاقتداء بأهل الباطل إلى محبّتهم والدّفاع عن سيّئاتهم وشرورهم، والابتعاد عن الصّالحين ويدفع هذا بصاحبه إلى ارتكاب كبيرة نصّ عليها الأئمّة، يقول ابن حجر: الكبيرة الرّابعة والخمسون: محبّة الظّلمة أو الفسقة بأيّ نوع كان فسقهم، قال: وعدّ هذا من الكبائر هو ما دلّت عليه الأحاديث.
الآيات الواردة في «القدوة السيئة»:
قال تعالى: ﴿ وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾ [سورة الزخرف آية: 19- 25].
الأحاديث الواردة في ذمّ (القدوة السيئة):
عن ابن عبّاس- رضي اللّه عنهما- أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، قال: ) أبغض النّاس إلى اللّه ثلاثة: ملحد في الحرم، ومبتغ في الإسلام سنّة الجاهليّة، ومطّلب دم امرئ بغير حقّ ليهريق دمه (.
عن عبد الرّحمن بن سمرة- رضي اللّه عنهما- قال: قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: ) أعاذك اللّه من أمراء يكونون بعدي. قال: وما هم يا رسول اللّه؟ قال: من دخل عليهم فصدّقهم وأعانهم على جورهم فليس منّي ولا يرد عليّ الحوض. اعلم يا عبد الرّحمن أنّ الصّيام جنّة، والصّلاة برهان. يا عبد الرّحمن، إنّ اللّه أبى عليّ أن يدخل الجنّة لحما نبت من سحت فالنّار أولى به (.
عن جابر بن عبد اللّه- رضي اللّه عنهما- قال: إنّ النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- قال: ) أعاذك اللّه يا كعب بن عجرة من إمارة السّفهاء. قال: وما إمارة السّفهاء؟ قال: أمراء يكونون بعدي لا يقتدون بهداي، ولا يستنّون بسنّتي، فمن صدّقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم، فأولئك ليسوا منّي ولست منهم، ولا يردون عليّ حوضي، ومن لم يصدّقهم بكذبهم ولم يعنهم على ظلمهم، فأولئك منّي وأنا منهم، وسيردون عليّ حوضي، يا كعب بن عجرة، الصّوم جنّة، والصّدقة تطفئ الخطيئة، والصّلاة قربان، أو قال: برهان (.
من الآثار وأقوال العلماء الواردة في ذمّ (القدوة السيئة):
قال عيسى- عليه السّلام-: ) مثل علماء السّوء كمثل صخرة وقعت على فم النّهر لا هي تشرب الماء ولا هي تترك الماء يخلص إلى الزّرع، ومثل علماء السّوء مثل قناة الحشّ ظاهرها جصّ وباطنها نتن، ومثل القبور ظاهرها عامر وباطنها عظام الموتى (.
عن عمير بن سعد، وكان عمر ولّاه حمص؛ قال: ) قال عمر لكعب: إنّي سائلك عن أمر فلا تكتمني، قال: واللّه ما أكتمك شيئا أعلمه، قال: ما أخوف ما تخاف على أمّة محمّد صلّى اللّه عليه وسلّم؟ قال: أئمّة مضلّين. قال عمر: صدقت قد أسرّ إليّ وأعلمنيه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم (.
عن أبي الدّرداء -رضي اللّه عنه- قال: ) إنّ من أشرّ النّاس عند اللّه منزلة يوم القيامة عالما لا ينتفع بعلمه (.
كان يحيى بن معاذ الرّازيّ- رحمه اللّه- يقول لعلماء السّوء: «يا أصحاب العلم: قصوركم قيصريّة، وبيوتكم كسرويّة، وأثوابكم ظاهريّة، وأخفافكم جالوتيّة، ومراكبكم قارونيّة، وأوانيكم فرعونيّة، ومآثمكم جاهليّة، ومذاهبكم شيطانيّة، فأين الشّريعة المحمّديّة؟».
من مضار (القدوة السيئة):
(1) من يكون قدوة سيّئة للنّاس يسخط اللّه عليه.
(2) يأتي في الآخرة يحمل لواء الخزي لأتباعه.
(3) يتبرّأ يوم القيامة من أتباعه ويلعن بعضهم بعضا.
(4) يمقته النّاس ويحترسون منه.
(5) يكون سببًا للغواية والضّلال ويدعو لاتّباع سبل الشّيطان.
(6) يكره نفسه الّتي بين جنبيه إذ يعرف حقيقة نفسه.
يقول الشاعر:
يا أَيُّها الرجل المعلِّم غيرَه | هلا لنفسك كان ذا التعليمُ |
ابدأ بنفسك فانْهَهَا عن غيِّها | فإذا انتهتْ فأنتَ حكيمُ |
لا تَنْهَ عن خُلُقٍ وتأتي مثله | عارٌ عليك إذا فعلت عظيمُ |
يقول الشيخ عبد الرحمن السعدي: "الأسوة نوعان: أسوة حسنة، وأسوة سيئة، فالأسوة الحسنة هي الرسول -صلى الله عليه وسلم- ومن نهج نهجه، وأما الأسوة بغيره إذا خالف - أي خالف الرسول - فهو الأسوة السيئة".