الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فإن طريق الدعوة إلى الله طريق يسلكه الباحثون عن رضوان الله -سبحانه وتعالى- والطامعون في الجنة، ولكن الله قد بيّن طبيعة هذا الطريق، وأنه محفوف بالمكاره والابتلاءات والتمحيص، قال -سبحانه وتعالى-: ﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ﴾ (سورة البقرة: الآية 214).
وإن من يخوض غمار هذا الطريق المبارك دون أن يتفقه في سنن الله -سبحانه وتعالى- قد يتعثر في أثنائه حين تتوالى عليه الابتلاءات والمحن، وقد تصبح هذه الابتلاءات الملازمة لهذا الطريق عائقا -بالنسبة إليه- يعوقه عن الاستمرار في طريق الدعوة، ولكن الداعية المحصّن بالعلم الشرعي، المتبصّر في سنن الله الكونية لا تزيده هذه الابتلاءات والمحن إلا قوة وإصرارا واطمئنانا إلى سلامة الطريق وقرب النصر، بل لو لم يجد هذه العلامات في طريقه لاستوحش وخشي ألا يكون على تلك الجادة المباركة التي سار عليها سلفه الكرام.
ويحتاج الداعية لمواجهة خصوم الدعوة إلى القيام بما أوجبه الله -سبحانه وتعالى- بما أمكن من (التعليم والنصح والإرشاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. مع الحاجة إلى الكشف المستمر لمكايد أعداء الإسلام (في الداخل والخارج) وفضح مخططاتهم وتعرية أهدافهم، وإزاحة الأقنعة عن وجوههم الحقيقية، وكشف زيوف أفكارهم ومفهوماتهم ومذاهبهم ودعواتهم، مع استخدام كل أساليب البيان، وكل وسائل الإعلام المتاحة التي يستطيع حملة الرسالة الانتفاع بها… مع الحكمة والصبر وسعة الصدر، وتحمل الأذى والمجاهدة بالقرآن والسنة ما استطاع إلى ذلك سبيلا).
كما يحتاج الداعية إلى التجرد من رواسبه الفكرية غير المشروعة، ومن ثم يحاول الاستفادة مما يمكن الاستفادة منه من بعض المظاهر الموجودة في المجتمع، أو العادات والتقاليد، ويوظفها في دعوته، ثم يعمد إلى محيطه الدعوي، فيسعى إلى تبصيره بالمفاسد من تلك المظاهر ببيان حقيقتها ومآلاتها، للوصول في نهاية الأمر إلى تنقية الفطرة من كل المظاهر والسلوكيات المخالفة لشريعة الله وأحكام دينه.
كما ينبغي للداعية أن يعلم أن الابتلاء على طريق الدعوة هو من سنن الله -سبحانه وتعالى- الكونية التي جرت على الرسل والأنبياء والدعاة والصالحين، فلا يستوحش من طريق سبقه عليه هؤلاء القدوات، ثم يوقن الداعية أنه إذا صبر على البلاء بأنواعه لله تعالى فإنه موعود بعظيم الأجر والجزاء من الكريم الوهاب، ثم يحرص الداعية على تعميق عقيدة الإيمان بالقضاء والقدر، وأن يدرك أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، بل هو مقدَّر عليه قبل أن يخلق، وليس له إلا الرضا والتسليم.
والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات، والصلاة والسلام على النبي، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين